فصل: باب الاستسقاء بذوي الصلاح وإكثار الاستغفار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الحث على الصدقة والاستغفار والذكر في الكسوف وخروج وقت الصلاة بالتجلي

عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنهما قالت‏:‏ ‏(‏لقد أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس‏)‏‏.‏

وعن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللَّه وكبروا وتصدقوا وصلوا‏)‏‏.‏

وعن أبي موسى رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏خسفت الشمس فقام النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصلى وقال‏:‏ إذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر اللَّه ودعائه واستغفاره‏)‏‏.‏

وعن المغيرة قال‏:‏ ‏(‏انكسفت الشمس على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس انكسفت لموت إبراهيم فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه عز وجل لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا اللَّه تعالى وصلوا حتى ينجلي‏)‏‏.‏

متفق عليهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العتاقة‏)‏ بفتح العين المهملة‏.‏ وفي لفظ للبخاري في كتاب العتق من طريق غنام بن علي عن هشام‏:‏ ‏(‏كنا نؤمر عند الكسوف بالعتاقة‏)‏ وفيه مشروعية الإعتاق عند الكسوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فادعوا اللَّه‏)‏ الخ فيه الحث على الدعاء والتكبير والتصدق والصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فافزعوا إلى ذكر اللَّه‏)‏ الخ فيه أيضًا الندب إلى الدعاء والذكر والاستغفار عند الكسوف لأنه مما يدفع اللَّه تعالى به البلاء ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها وفيه نظر لأنه قد جمع بين الذكر والدعاء وبين الصلاة في حديث عائشة المذكور في الباب‏.‏ وفي حديث أبي بكرة عند البخاري وغيره ولفظه‏:‏ ‏(‏فصلوا وادعوا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم مات إبراهيم‏)‏ يعني ابن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة قيل في ربيع الأول وقيل في رمضان‏.‏ وقيل في ذي الحجة والأكثر أنه في عاشر الشهر وقيل في رابعه وقيل في رابع عشره ولا يصح شيء من هذا على قول ذي الحجة لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا ذاك بمكة في الحج وقد ثبت أنه شهد وفاته وكانت بالمدينة بلا خلاف نعم قيل إنه مات سنة تسع فإن ثبت صح وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية وقد استدل بوقوع الكسوف عند موت إبراهيم على بطلان قول أهل الهيئة لأنهم كانوا يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة وقد فرض الشافعي وقوع العيد والكسوف معًا واعترضه بعض من اعتمد على قول أهل الهيئة ورد عليه أصحاب الشافعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ينجلي‏)‏ فيه أن الصلاة والدعاء يشرعان إلى أن ينجلي الكسوف فلا يستحب ابتداء الصلاة بعده وأما إذا حصل الانجلاء وقد فعل بعض الصلاة فقيل يتمها‏.‏ وقيل يقتصر على ما قد فعل‏.‏ وقيل يتمها على هيئة النوافل وإذا وقع الانجلاء بعد الفراغ من صلاة الكسوف وقبل الخطبة فظاهر حديث عائشة المتقدم بلفظ‏:‏ ‏(‏وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ثم قام فخطب الناس‏)‏ أنها تشرع الخطبة بعد الانجلاء وفي الحديث أنها تستحب ملازمة الصلاة والذكر إلى الانجلاء وقال الطحاوي‏:‏ إن قوله‏:‏ ‏(‏فصلوا وادعوا‏)‏ يدل على أن من سلم من الصلاة قيل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي وقرره ابن دقيق العيد قال‏:‏ لأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل واحد منهما على انفراده فجاز أن يكون الدعاء ممتدًا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها‏.‏

وأما ما وقع عند النسائي من حديث النعمان بن بشير قال‏:‏ ‏(‏كسفت الشمس على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت‏)‏‏.‏

فقال في الفتح‏:‏ إن كان محفوظًا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين وقد وقع التعبير بالركوع عن الركعة في حديث الحسن المتقدم في الباب الذي قبل هذا ويحتمل أن يكون السؤال بالإشارة فلا يلزم التكرار‏.‏

وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان كلما ركع ركعة أرسل رجلًا ينظر هل انجلت‏)‏ فتعين الاحتمال المذكور وإن ثبت تعدد القصة زال الإشكال‏.‏

الجزء الرابع

‏[‏تابع كتاب الصلاة‏]‏

 كتاب الاستسقاء

عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما في حديث له‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث هذا ذكره ابن ماجه في كتاب الزهد مطولًا وفي إسناده خالد بن يزيد ابن عبد الرحمن بن أبي مالك وهو ضعيف وقد ذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه‏.‏

وفي الباب عن بريدة عند الحاكم والبيهقي‏:‏ ‏(‏ما نقض قوم العهد إلا كان فيهم القتل ولا منع قوم الزكاة إلا حبس اللَّه تعالى عنهم القطر‏)‏ واختلف فيه على عبد اللَّه بن بريدة فقيل عنه هكذا‏.‏ وقيل عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ كتاب الاستسقاء قال في الفتح‏:‏ الاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير وشرعًا طلبه من اللَّه تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص انتهى‏.‏

قال الرافعي‏:‏ هو أنواع أدناها الدعاء المجرد وأوسطها الدعاء خلف الصلوات وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين والأخبار وردت بجميع ذلك انتهى‏.‏ وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم ينقص قوم المكيال والميزان‏)‏ الخ فيه أن نقص المكيال والميزان سبب للجدب وشدة المؤنة وجور السلاطين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يمنعوا زكاة أموالهم‏)‏ الخ فيه أن منع الزكاة من الأسباب الموجبة لمنع قطر السماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولولا البهائم‏)‏ الخ فيه أن نزول الغيث عند وقوع المعاصي إنما هو رحمة من اللَّه تعالى للبهائم‏.‏ وقد أخرج أبو يعلى والبزار من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏مهلًا عن اللَّه مهلًا فإنه لولا شباب خشع وبهائم رتع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبًا‏)‏ وفي إسناده إبراهيم ين خثيم ابن عراك بن مالك وهو ضعيف‏.‏ وأخرجه أبو نعيم من طريق مالك بن عبيدة ابن مسافع عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لولا عباد للَّه ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبًا‏)‏ وأخرجه أيضًا البيهقي وابن عدي ومالك بن عبيدة قال أبو حاتم وابن معين‏:‏ مجهول وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ ليس له غير هذا الحديث وله شاهد مرسل أخرجه أبو نعيم أيضًا في معرفة الصحابة عن أبي الزاهرية‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ما من يوم إلا وينادي مناد مهلًا أيها الناس مهلًا فإن للَّه سطوات ولولا رجال خشع وصبيان رضع ودواب رتع لصب عليكم العذاب صبًا ثم رضضتم به رضًا‏)‏‏.‏

وأخرج الدارقطني والحاكم من حديث أبي هريرة رفعه قال‏:‏ ‏(‏خرج نبي من الأنبياء يستسقي فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال‏:‏ ارجعوا فقد استجيب من أجل شأن النملة‏)‏ وأخرج نحوه أحمد والطحاوي‏.‏

وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏شكا الناس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يومًا يخرجون فيه قالت عائشة‏:‏ فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد اللَّه عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم اللَّه عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال الحمد للَّه رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا اللَّه يفعل اللَّه ما يريد اللَّهم أنت اللَّه لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ اللَّه تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن اللَّه تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه فقال أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير وأني عبد اللَّه ورسوله‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وقال أبو داود‏:‏ هذا حديث غريب إسناده جيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قحوط المطر‏)‏ هو مصدر قحط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمر بمنبر‏)‏ الخ فيه استحباب الصعود على المنبر لخطبة الاستسقاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووعد الناس‏)‏ الخ فيه أنه يستحب للإمام أن يجمع الناس ويخرج بهم إلى خارج البلد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين بدا حاجب الشمس‏)‏ في القاموس حاجب الشمس ضوءها أو ناحيتها انتهى‏.‏ وإنما سمى الضوء حاجبًا لأنه يحجب جرمها عن الإدراك‏.‏ وفيه استحباب الخروج لصلاة الاستسقاء عند طلوع الشمس‏.‏ وقد أخرج الحاكم وأصحاب السنن عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد‏)‏ وسيأتي وظاهره أنه صلاها وقت صلاة العيد كما قال الحافظ‏.‏ وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها قال في الفتح‏:‏ والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها مخالفة بأنها لا تختص بيوم معين‏.‏ ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة وأفاد ابن حبان بأن خروجه صلى اللَّه عليه وآله وسلم للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إبان زمانه‏)‏ بكسر الهمز وبعدها باء موحدة مشددة قال في القاموس إبان الشيء بالكسر حينه أو أوله انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد أمركم اللَّه‏)‏ الخ يريد قول اللَّه تعالى ‏{‏ادعوني أستجب لكم‏}

قوله‏:‏ ‏(‏قوة لنا وبلاغًا إلى حين‏)‏ أي اجعله سببًا لقوتنا ومده لنا مدًا طويلًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم رفع يديه‏)‏ الخ فيه استحباب المبالغة في رفع اليدين عند الاستسقاء وسيأتي حديث أنس أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم حول إلى الناس ظهره‏)‏ فيه استحباب استقبال الخطيب عند تحويل الرداء القبلة والحكمة في ذلك التفاؤل بتحوله عن الحالة التي كان عليها وهي المواجهة للناس إلى الحالة الأخرى وهي استقبال القبلة واستدبارهم ليتحول عنهم الحال الذي هم فيه وهو الجدب بحال آخر وهو الخصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقلب أو حول رداءه‏)‏ سيأتي الكلام على تحويل الرداء في الباب الذي عقده المصنف لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونزل فصلى ركعتين‏)‏ فيه استحباب الصلاة في الاستسقاء وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى الكن‏)‏ بكسر الكاف وتشديد النون‏.‏ قال في القاموس الكن وقاء كل شيء وستره كالكنة والكنان بكسرهما والبيت الجمع أكنان وأكنة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى بدت نواجذه‏)‏ النواجذ على ما ذكره صاحب القاموس أقصى الأضراس وهي أربعة أو هي الأنياب أو التي تلي الأنياب أو هي الأضراس كلها جمع ناجذ والنجذ شدة العض بها انتهى‏.‏

 باب صفة صلاة الاستسقاء وجوازها قبل الخطبة وبعدها

عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏خرج نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا اللَّه عز وجل وحول وجهه نحو القبلة رافعًا يديه ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

وعن عبد اللَّه بن زيد رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة فدعا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

وعنه أيضًا قال‏:‏ ‏(‏رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم خرج يستسقي قال‏:‏ فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي‏.‏ ورواه مسلم ولم يذكر الجهر بالقراءة

الحديث الأول أخرجه أيضًا أبو عوانة والبيهقي وقال‏:‏ تفرد به النعمان بن راشد وقال في الخلافيات‏:‏ رواته ثقات والرواية الأولى من حديث عبد اللَّه بن زيد ذكرها الحافظ في التلخيص والفتح ولم يتكلم عليها مع معارضتها للرواية الأخرى المذكورة في الصحيحين‏.‏ وقد أخرج نحوها ابن قتيبة في الغريب من حديث أنس‏.‏ وقد اختلفت الأحاديث في تقديم الخطبة على الصلاة أو العكس ففي حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث عبد اللَّه بن زيد عند أحمد أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة وفي حديث عبد اللَّه بن زيد في الصحيحين وغيرهما‏.‏

وكذا في حديث ابن عباس عند أبي داود وحديث عائشة المتقدم أنه بدأ بالخطبة قبل الصلاة ولكنه لم يصرح في حديث عبد اللَّه بن زيد الذي في الصحيحين أنه خطب وإنما ذكر تحويل الظهر لمشابهتها للعيد‏.‏ وكذا قال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة بمشابهتها للعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شيء وعبر بعضهم بالدعاء عن الخطبة فلذلك وقع الاختلاف والمرجح عند الشافعية والمالكية الشروع بالصلاة وعن أحمد رواية كذلك‏.‏

قال النووي‏:‏ وبه قال الجماهير وقال الليث بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير‏.‏ قال‏:‏ قال أصحابنا ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها‏.‏ وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة انتهى‏.‏

وجواز التقديم والتأخير بلا أولوية هو الحق وحكى المهدي في البحر عن الهادي والمؤيد باللَّه أنه لا خطبة في الاستسقاء واستدلا لذلك بقول ابن عباس الآتي ولم يخطب كخطبتكم وهو غفلة عن أحاديث الباب وابن عباس إنما نفى وقوع خطبة منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مشابهة لخطبة المخاطبين ولم ينف وقوع مطلق الخطبة منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك ما وقع في الرواية التي ستأتي من حديثه أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رقى المنبر‏.‏ وقد دلت الأحاديث الكثيرة على مشروعية صلاة الاستسقاء وبذلك قال جمهور العلماء من السلف والخلف ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة مستدلًا بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة‏.‏

واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى الاستسقاء ركعتين‏)‏ وهي مشتملة على الزيادة التي لم تقع منافية فلا معذرة عن قبولها وقد وقع الإجماع من المثبتين للصلاة على أنها ركعتان كما حكى ذلك النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح للتصريح بذلك في أحاديث الباب وغيرها‏.‏

وقال الهادي‏:‏ إنها أربع بتسليمتين واستدل له بأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم استسقى في الجمعة وهي بالخطبة أربع ونصب مثل هذا الكلام الذي هو عن الدلالة على مطلوب المستدل بمراحل في مقابلة الأدلة الصحيحة الصريحة من الغرائب التي يتعجب منها‏.‏ ووقع الاتفاق أيضًا بين القائلين بصلاة الاستسقاء على أنها سنة غير واجبة كما حكى ذلك النووي وغيره واختلف في صفة صلاة الاستسقاء فقال الشافعي وابن جرير وروي عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنه يكبر فيها كتكبير العيد وبه قال زيد بن علي ومكحول وهو مروي عن أبي يوسف ومحمد‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ إنه لا تكبير فيها واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك وقال داود‏:‏ إنه مخير بين التكبير وتركه‏.‏

واستدل الأولون بحديث ابن عباس الآتي بلفظ‏:‏ ‏(‏فصلى ركعتين كما يصلي في العيد‏)‏ وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة‏.‏ وقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيها سبعًا وخمسًا كالعيد وأنه يقرأ فيه بسبح وهل أتاك وفي إسناده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري وهو متروك‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أنه يستحب للإمام أن يستقبل القبلة ويحول ظهره إلى الناس ويحول رداءه وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جهر فيهما بالقراءة‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أجمعوا على استحبابه وكذلك نقل الإجماع على استحباب الجهر ابن بطال‏.‏

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن الصلاة في الاستسقاء فقال‏:‏ ‏(‏خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم متواضعًا متبذلًا متخشعًا متضرعًا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏خرج متبذلًا متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلى فرقى المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين‏)‏ رواه أبو داود وكذلك النسائي والترمذي وصححه لكن قالا‏:‏ ‏(‏وصلى ركعتين‏)‏ ولم يذكر الترمذي ‏(‏رقي المنبر‏)‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو عوانة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه أيضًا أبو عوانة وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متبذلًا‏)‏ أي لابسًا لثياب البذلة تاركًا لثياب الزينة تواضعًا للَّه تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متخشعًا‏)‏ أي مظهرًا للخشوع ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند اللَّه عز وجل وزاد في رواية مترسلًا أي غير مستعجل في مشيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متضرعًا‏)‏ أي مظهرًا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى ركعتين‏)‏ فيه دليل على استحباب الصلاة وأنها قبل الخطبة وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما يصلي في العيد‏)‏ تمسك به الشافعي ومن معه في مشروعية التكبير في صلاة الاستسقاء وقد تقدم الجواب عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يخطب خطبتكم هذه‏)‏ النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد كما يدل على ذلك الأحاديث المصرحة بالخطبة ويدل عليه أيضًا قوله في هذا الحديث فرقى المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه فلا يصح التمسك به لعدم مشروعية الخطبة كما تقدم‏.‏

 باب الاستسقاء بذوي الصلاح وإكثار الاستغفار ورفع الأيدي بالدعاء وذكر أدعية مأثورة في ذلك

عن أنس رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللَّهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى اللَّه عليه وآله وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فيسقون‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا قحطوا‏)‏ قال في الفتح‏:‏ قحطوا بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط قال‏:‏ وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناده‏:‏ ‏(‏أن العباس لما استسقى به عمر قال‏:‏ اللَّهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث‏)‏ فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس‏.‏

وأخرج أيضًا من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال‏:‏ استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب وذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏فخطب الناس عمر فقال‏:‏ إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى اللَّه وفيه فما برحوا حتى أسقاهم اللَّه‏.‏

وأخرج البلاذري من طريق هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم فقال عن أبيه بدل ابن عمر فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان‏.‏ وذكر ابن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثماني عشرة وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدًا من عدم المطر قال‏:‏ ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه انتهى كلام الفتح‏.‏

وظاهر قوله كان إذا قحطوا استسقى بالعباس أنه فعل ذلك مرارًا كثيرة كما يدل عليه لفظ كان فإن صح أنه لم يقع منه ذلك إلا مرة واحدة كانت كان مجردة عن معناها الذي هو الدلالة على الاستمرار‏.‏

وعن الشعبي رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا‏:‏ ما رأيناك استسقيت فقال‏:‏ لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر ثم قرأ استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه الآية‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يزد على الاستغفار‏)‏ فيه استحباب الاستكثار من الاستغفار لأن منع القطر متسبب عن المعاصي والاستغفار بمحوها فيزول بزوالها المانع من القطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمجاديح‏)‏ بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة أيضًا جمع مجدح كمنبر‏.‏ قال في القاموس‏:‏ مجاديح السماء أنواؤها انتهى‏.‏ والمراد بالأنواء النجوم التي يحصل عندها المطر عادة فشبه الاستغفار بها‏.‏ واستدل عمر بالآيتين على أن الاستغفار الذي ظن الاقتصار عليه لا يكون استسقاء من أعظم الأسباب التي يحصل عندها المطر والخصب لأن اللَّه جل جلاله قد وعد عباده بذلك وهو لا يخلف الوعد ولكن إذا كان الاستغفار واقعًا من صميم القلب وتطابق عليه الظاهر والباطن وذلك مما يقل وقوعه‏.‏

وعن أنس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم استسقى فأشار بظهر كفه إلى السماء‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا في الاستسقاء‏)‏ ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو معارض للأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء وهي كثيرة وقد أفردها البخاري بترجمة في آخر كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث وصنف المنذري في ذلك جزءًا‏.‏

وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ وهي أكثر من أن تحصر قال‏:‏ وقد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين أو أحدهما قال‏:‏ وذكرتها في آخر باب صفة الصلاة في شرح المهذب انتهى‏.‏

فذهب بعض أهل العلم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس على نفي رؤيته وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على جهة مخصوصة إما على الرفع البليغ‏.‏ ويدل عليه قوله ‏(‏حتى يرى بياض إبطيه‏)‏ ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد بها مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء زاد على ذلك فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وحينئذ يرى بياض إبطيه‏.‏ وإما على صفة رفع اليدين في ذلك كما في رواية مسلم المذكورة في الباب‏.‏ ولأبي داود من حديث أنس كان يستسقي هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه‏.‏ والظاهر أنه ينبغي البقاء على النفي المذكور عن أنس فلا ترفع اليد في شيء من الأدعية إلا في المواضع التي ورد فيها الرفع ويعمل فيما سواها بمقتضى النفي وتكون الأحاديث الواردة في الرفع في غير الاستسقاء أرجح من النفي المذكور في حديث أنس إما لأنها خاصة فيبنى العام على الخاص أو لأنها مثبتة وهي أولى من النفي وغاية ما في حديث أنس أنه نفي الرفع فيما يعلمه ومن علم حجة على من لم يعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشار بظهر كفه إلى السماء‏)‏ قال في الفتح‏:‏ قال العلماء‏:‏ السنة في كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلًا ظهور كفيه إلى السماء وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء وكذا قال النووي في شرح مسلم حاكيًا بذلك عن جماعة من العلماء‏.‏

وقيل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل في تحويل الرداء وقد أخرج أحمد من حديث السائب بن خلاد عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال مشهور‏.‏

وعن أنس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي يوم الجمعة فقال‏:‏ يا رسول اللَّه هلكت الماشية وهلكت العيال وهلك الناس فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون قال‏:‏ فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا‏)‏‏.‏

مختصر من البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي‏)‏ لفظ البخاري‏:‏ أتى رجل أعرابي من أهل البادية‏.‏ وفي لفظ له‏:‏ جاء رجل‏.‏ وفي لفظ‏:‏ دخل رجل المسجد يوم جمعة وسيأتي‏.‏ قال في الفتح‏:‏ لم أقف على تسمية هذا الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الماشية‏)‏ في الرواية الآتية في باب ما يقول وما يصنع هلكت الأموال وهي أعم من الماشية ولكن المراد هنا الماشية كما سيأتي‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏هلكت الكراع‏)‏ بضم الكاف وهي تطلق على الخيل وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهلكت العيال وهلك الناس‏)‏ هو من عطف العام على الخاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ زاد مسلم في رواية شريك‏:‏ ‏(‏حذاء وجهه‏)‏ ولابن خزيمة‏:‏ ‏(‏حتى رأيت بياض إبطيه‏)‏ وزاد البخاري في رواية ذكرها في الأدب فنظر إلى السماء‏.‏ والحديث سيأتي بطوله وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية رفع اليدين عند الاستسقاء‏.‏

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللَّه لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل فصعد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم المنبر فحمد اللَّه ثم قال اللَّهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا طبقًا غدقًا عاجلًا غير رائث ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن أبي القاسم أبو الأحوص حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا الربيع حدثنا عبد اللَّه بن إدريس حدثنا حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس فذكره ورجاله ثقات أخرجه أيضًا أبو عوانة وسكت عنه الحافظ في التلخيص وقد رويت بعض هذه الألفاظ وبعض معانيها عن جماعة من الصحابة مرفوعة‏.‏ منها عن أنس وسيأتي‏.‏ وعن جابر عند أبي داود والحاكم‏.‏ وعن كعب بن مرة عند الحاكم في المستدرك‏.‏ وعن عبد اللَّه بن جراد عند البيهقي وإسناده ضعيف جدًا‏.‏ وعن عمرو بن شعيب وسيأتي‏.‏ وعن المطلب بن حنطب وسيأتي أيضًا‏.‏ وعن ابن عمر عند الشافعي‏.‏ وعن عائشة بنت الحكم عن أبيها عند أبي عوانة بسند واه‏.‏ وعن عامر بن خارجة بن سعيد عن جده عند أبي عوانة أيضًا‏.‏ وعن سمرة عند أبي عوانة أيضًا وإسناده ضعيف‏.‏ وعن عمرو بن حريث عن أبيه عند أبي عوانة أيضًا‏.‏ وعن أبي أمامة عند الطبراني وسنده ضعيف ‏(‏ولا يخطر لهم فحل‏)‏ بالخاء المعجمة ثم الطاء المهملة بعدها راء قال في القاموس‏:‏ خطر الفحل بذنبه يخطر خطرًا وخطرانًا وخطيرًا ضرب به يمينًا وشمالًا انتهى‏.‏ وأراد بقوله لا يخطر لهم فحل أن مواشيهم قد بلغت لقلة المرعى إلى حد من الضعف لا تقوى معه على تحريك أذنابها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غيثًا‏)‏ الغيث المطر ويطلق على النبات تسمية له باسم سببه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مغيثًا‏)‏ بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء التحتية بعدها ثاء مثلثة وهو المنقذ من الشدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مريئًا‏)‏ بالهمزة هو المحمود العاقبة المنمي للحيوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مريعًا‏)‏ بضم الميم وفتحها وكسر الراء وسكون الياء التحتية بعدها عين مهملة هو الذي يأتي بالريع وهو الزيادة مأخوذ من المراعة وهي الخصب‏.‏ ومن فتح الميم جعله اسم مفعول أصله مريوع كمهيب ومعناه مخصب ويروى بضم الميم وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة من قولهم أربع يربع إذا أكل الربيع ويروى بضم الميم ومثناة فوقية مكسورة من قولهم أربع المطر إذا أنبت ما ترتع فيه الماشية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طبقًا‏)‏ هو المطر العام كما في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غدقًا‏)‏ الغدق هو الماء الكثير وأغدق المطر وأغدودق كبر قطره وغيدق كثر براقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غير رائث‏)‏ الريث الإبطاء والرائث المبطئ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أحيينا‏)‏ أي مطرنا لما كان المطر سببًا للحياة عبر عن نزوله بالإحياء‏.‏

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي اللَّه عنهم قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا استسقى قال اللَّهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

وعن المطلب بن حنطب رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول عند المطر اللَّهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللَّهم على الظراب ومنابت الشجر اللَّهم حوالينا ولا علينا‏)‏‏.‏

رواه الشافعي في مسنده وهو مرسل‏.‏

الحديث الأول أخرجه أبو داود متصلًا ورواه مالك مرسلًا ورجحه أبو حاتم‏.‏ والحديث الثاني هو مرسل كما قال المصنف وأكثر ألفاظه في الصحيحين وقد تقدم ما في الباب من الأحاديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الظرب‏)‏ بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن قيل هو الجبل المنبسط الذي ليس بالعالي وقال الجوهري‏:‏ الرابية الصغيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللَّهم حوالينا‏)‏ بفتح اللام وفيه حذف تقديره جعل أو أمطر والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا علينا‏)‏ فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنه يشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ولا علينا‏.‏ قال الطيبي‏:‏ في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك لأنه لو أسقطها لكان مستسقيًا للأكمام وما معها فقط ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودًا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر فليست الواو محصلة للعطف ولكنها للتعليل كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثديها فإن الجوع ليس مقصودًا لعينه ولكن ليكون مانعًا من الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفًا انتهى‏.‏

والحديث الأول يدل على استحباب الدعاء بما اشتمل عليه عند الاستسقاء والحديث الثاني يدل على استحباب الدعاء بما فيه عند نزول المطر‏.‏

 باب تحويل الإمام والناس أرديتهم في الدعاء أو صفته ووقته

عن عبد اللَّه بن زيد رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة قال ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرًا لبطن وتحول الناس معه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يومًا يستسقي فحول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا اللَّه عز وجل‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم استسقى يومًا وعليه خميصة له سوداء فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه فقلبها الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث عبد اللَّه بن زيد أصله في الصحيح وله ألفاظ منها هذه الروايات التي أوردها المصنف ومنها ألفاظ أخر وقد سبق بعضها في باب صفة صلاة الاستسقاء ورجال أبي داود رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تحول إلى القبلة‏)‏ في لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم حول إلى الناس ظهره‏)‏ فيه استحباب استقبال القبلة حال تحويل الرداء وقد سبق بيان الحكمة في ذلك ومحل هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة وإرادة الدعاء كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحول رداءه‏)‏ ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانت ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر انتهى‏.‏ وقد اختلفت الروايات ففي بعضها أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حول رداءه وفي بعضها أنه قلبه وفسر التحويل في هذه الرواية بالقلب فدل ذلك على أنهما بمعنى واحد كما قال الزين ابن المنير واختلفت في حكمة التحويل فجزم المهلب أنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال‏:‏ وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه قيل له حول رداءك لتحول حالك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر ورجح الدارقطني إرساله وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق فالحمل على المعنى الأول أولى فإن الإتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص انتهى‏.‏

وقد اختلف في صفة التحويل فقال الشافعي ومالك‏:‏ هو جعل الأسفل أعلى مع التحويل وروى القرطبي عن الشافعي أنه اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله والذي في الأم هو الأول‏.‏ وذهب الجمهور إلى استحباب التحويل فقط واستدل الشافعي ومالك بهمه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بقلب الخميصة لأنه لم يدع ذلك إلا لثقلها كما في الرواية المذكورة في الباب‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط انتهى‏.‏ وذلك لأنه اختار الجمع بين التحويل والتنكيس كما تقدم وإذا كان مذهبه ما رواه عنه القرطبي فليس بأحوط‏.‏

واستدل الجمهور بقوله في رواية حديث الباب فجعل عطافه الأيمن الخ وبقوله فقلبها الأيمن على الأيسر الخ‏.‏ قال الغزالي في صفة التحويل أو يجعل الباطن ظاهرًا وهو ظاهر قوله فقلبه ظهرًا لبطن أي جعل ظاهره باطنًا وباطنه ظاهرًا وقال أبو حنيفة وبعض المالكية‏:‏ إنه لا يستحب شيء من ذلك وخالفهم الجمهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتحول الناس معه‏)‏ هكذا رواه المصنف رحمه اللَّه تعالى ورواه غيره بلفظ‏:‏ ‏(‏وحول‏)‏ وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب تحويل الناس بتحويل الإمام‏.‏ وقال الليث وأبو يوسف‏:‏ يحول الإمام وحده وظاهر قوله ويحول الناس أنه يستحب ذلك للنساء‏.‏ وقال ابن الماجشون‏:‏ لا يستحب في حقهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليه خميصة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الخميصة كساء أسود مربع له علمان انتهى‏.‏

 باب ما يقول وما يصنع إذا رأى المطر وما يقول إذا كثر جدًا

عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا رأى المطر قال اللَّهم صيبًا نافعًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏

وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏أصابنا ونحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مطر قال‏:‏ فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا‏:‏ لم صنعت هذا قال‏:‏ لأنه حديث عهد بربه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صيبًا‏)‏ بالنصب بفعل مقدر أي اجعله صيبًا ونافعًا صفة للصيب ليخرج الضار منه والصيب المطر قاله ابن عباس وإليه ذهب الجمهور وقال بعضهم‏:‏ الصيب السحاب ولعله أطلق ذلك مجازًا وهو من صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض‏.‏

والحديث فيه استحباب الدعاء عند نزول المطر وقد أخرج مسلم من حديث عائشة قالت‏:‏ كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه فيقول إذا رأى المطر رحمة‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي عنها بلفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا رأى ناشئًا من أفق السماء ترك العمل فإن كشف حمد اللَّه فإن مطر قال اللَّهم صيبًا نافعًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حسر‏)‏ أي كشف بعض ثوبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأنه حديث عهد بربه‏)‏ قال العلماء‏:‏ أي بتكوين ربه إياه‏.‏ قال النووي‏:‏ ومعناه أن المطر رحمة وهو قريب العهد بخلق اللَّه تعالى لها فيتبرك بها‏.‏

وفي الحديث دليل أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف بدنه ليناله المطر لذلك‏.‏

وعن شريك بن أبي نمر عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رجلًا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قائمًا ثم قال‏:‏ يا رسول اللَّه هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع اللَّه يغثنا قال‏:‏ فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يديه ثم قال‏:‏ اللَّهم أغثنا اللَّهم أغثنا قال أنس‏:‏ ولا واللَّه ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال‏:‏ فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال‏:‏ فلا واللَّه ما رأينا الشمس سبتًا قال‏:‏ ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال‏:‏ يا رسول اللَّه هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع اللَّه يمسكها عنا قال‏:‏ فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يديه ثم قال اللَّهم حوالينا ولا علينا اللَّهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال‏:‏ فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك‏:‏ فسألت أنسًا أهو الرجل الأول قال لا أدري‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلًا‏)‏ في مسند أحمد ما يدل على أن هذا المبهم كعب بن مرة وفي البيهقي من طريق مرسلة ما يدل على أنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وزعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وفيه نظر لأنه جاء في واقعة أخرى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ لم أقف على تسميته كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم جمعة‏)‏ فيه دليل على أنه إذا اتفق وقوع الاستسقاء يوم جمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من باب كان نحو دار القضاء‏)‏ فسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمامة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عمر‏.‏ وقد قيل في تفسيرها غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال يا رسول اللَّه‏)‏ هذا يدل على أن السائل كان مسلمًا وبه يرد على من قال إنه أبو سفيان لأنه حين سؤاله لذلك لم يكن قد أسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الأموال‏)‏ المراد بالأموال هنا الماشية لا الصامت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وانقطعت السبل‏)‏ المراد بذلك أن الإبل ضعفت لقلة القوت عن السفر لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها‏.‏ وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يجلبونه ويحملونه إلى الأسواق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فادع اللَّه يغثنا‏)‏ هكذا في رواية للبخاري بالجزم وفي رواية له يغيثنا بالرفع وفي رواية له أن يغيثنا فالجزم ظاهر والرفع على الاستئناف أي فهو يغيثنا قال في الفتح‏:‏ وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث‏.‏ وقال ابن القطاع‏:‏ غاث اللَّه عباده غيثًا وغياثًا سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم ويقال غاث وأغاث بمعنى‏.‏

قال ابن دريد‏:‏ الأصل غاثه اللَّه يغوثه غوثًا واستعمل أغاثه ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثًا وغيثًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفع يديه‏)‏ فيه استحباب رفع اليد عند دعاء الاستسقاء وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سحاب‏)‏ أي مجتمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا قزعة‏)‏ بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق‏.‏ وقال ابن سيده‏:‏ القزع من السحاب رقاق‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ وأكثر ما يجيء في الخريف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما بيننا وبين سلع‏)‏ بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة وقد حكى أنه بفتح اللام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بيت ولا دار‏)‏ أي يحجبنا من رؤيته وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودًا لا مستترًا ببيت ولا غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطلعت‏)‏ أي ظهرت من وراء سلع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل الترس‏)‏ أي مستديرة ولم يرد أنها مثله في القدر‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فنشأت سحابة مثل رجل الطائر‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما توسطت السماء انتشرت‏)‏ هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق وانبسطت حينئذ وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا الشمس سبتًا‏)‏ هذا كناية عن استمرار الغيم الماطر وهو كذلك في الغالب وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية وقد تحتجب الشمس بغير مطر‏.‏ وأصرح من ذلك ما وقع في رواية أخرى للبخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى‏)‏ والمراد بقوله سبتًا أي من السبت إلى السبت قاله ابن المنير والطبري قال‏:‏ وفيه تجوز لأن السبت لم يكن مبتدأ ولا الثاني منتهي وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وقد كانوا جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم وإنما سموا الأسبوع سبتًا لأنه أعظم الأيام عند اليهود كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك وفي تعبيره عن الأسبوع بالسبت مجاز مرسل والعلاقة الجزئية والكلية‏.‏ وقال صاحب النهاية‏:‏ أراد قطعة من الزمان وكذا قال النووي‏.‏ ووقع في رواية ستًا أي ستة أيام‏.‏ ووقع في رواية فمطرنا من جمعة إلى جمعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم دخل رجل من ذلك الباب‏)‏ ظاهره أنه غير الأول لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد وقد قال شريك في آخر هذا الحديث سألت أنسًا أهو الرجل الأول فقال لا أدري وهذا يقتضي أنه لم يجزم بالتغاير‏.‏

وفي رواية للبخاري عن أنس‏:‏ ‏(‏فقام ذلك الرجل أو غيره‏)‏ وفي رواية له عنه‏:‏ ‏(‏فأتى الرجل فقال يا رسول اللَّه‏)‏ ومثلها لأبي عوانة وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدًا فلعل أنسًا تذكره بعد أن نسيه ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏فقال الرجل‏)‏ يعني الذي سأله يستسقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هلكت الأموال وانقطعت السبل‏)‏ أي بسبب غير السبب الأول والمراد أن كثرة الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم المرعى أو لعدم ما يكنها من المطر ويدل على ذلك ما عند النسائي بلفظ من كثرة الماء‏.‏ وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك طريق من كثرة الماء‏.‏ وفي رواية عند ابن خزيمة واحتبس الركبان وفي رواية للبخاري تهدمت البيوت‏.‏ وفي رواية له هدم البناء وغرق المال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمسكها‏)‏ يجوز ضم الكاف وسكونها والضمير يعود إلى الأمطار أو إلى السحاب أو إلى السماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللَّهم حوالينا ولا علينا‏)‏ تقدم الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الآكام‏)‏ بكسر الهمزة وقد تفتح جمع أكمة مفتوحة الحروف جميعًا قيل هي التراب المجتمع وقيل هي الحجر الواحد وبه قال الخليل‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ هي الهضبة الضخمة‏.‏ وقيل الجبل الصغير‏.‏ وقيل ما ارتفع من الأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والظراب‏)‏ تقدم تفسيره وضبطه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبطون الأودية‏)‏ المراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانقلعت‏)‏ أي السماء أو السحابة الماطرة والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة

وفي الحديث فوائد منها جواز المكالمة من الخطيب حال الخطبة وتكرار الدعاء وإدخال الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر وترك تحويل الرداء والاستقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء كما تقدم‏.‏ وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة اللَّه تعالى دعاء نبيه وامتثال السحاب أمره كما وقع في كثير من الروايات وغير ذلك من الفوائد‏.‏